أزمة أمناء الشرطة لها أبعاد وزوايا كثيرة تناولها المحللون بالدراسة أهمها غياب الردع القانونى والمحاكمات العسكرية للمخطئين وتحولهم لقوة ضاغطة من 350 ألف أمين على جهاز الشرطة نفسه نتيجة اعتماد الضباط عليهم بصورة كبيرة حتى باتت العلاقة مثل علاقة راسبوتين والقيصر الروسى، وتشابك العلاقات مع الشارع، خاصة بلطجيته، والذى خلق شبكة سرية بين البعض منهم وبين هذه الطائفة وصل فى أحيان إلى حد التحالف، مما صنع فساداً خفياً مؤسسياً شعاره «طنشنى تكسب وأنا هراضى الرجالة»!!، لكن هناك جانباً سيكولوجياً فى الثقافة المصرية ساهم فى تنامى ظاهرة «حاتم»، بطل فيلم «هى فوضى»، نستطيع أن نطلق عليها ظاهرة إحساس «إلا خمسة»، وهى ليست مقتصرة على أمين الشرطة الذى يحس بأنه ضابط إلا خمسة، فهناك مثلاً خريجو معاهد التكنولوجيا التى شجع على بنائها ودمجها فى نظام التعليم العالى الزعيم الراحل عبدالناصر لغرض تخريج الفنيين المهرة ذوى التميز مثل ألمانيا التى يرفض كثير من العمال المهرة فى مصانع السيارات الشهيرة وغيرها دخول كلية الهندسة وإكمال تعليمهم اكتفاء بالشهادة المتوسطة وهم فخورون بذلك، باظت الفكرة بعد سنوات وبدأت مظاهرات الطلبة بتحويلها إلى كليات هندسة!!، لأنه يحس بأنه مهندس إلا خمسة برغم أهمية مهنته وتخصصه فإن بريق كلمة مهندس يظل يطارده فيعيش أسير هذا الحلم الزائف الذى رضخت له الدولة تحت الضغط والابتزاز، مرض مصرى ثقافى عضال منتشر فى كافة المهن والوظائف، تضيع الخطوط معه وتتداخل وتضيع الحدود وتصبح المسألة سَلطة ولخبطة مثل إشارة مرور فتحت للأربعة اتجاهات فى نفس اللحظة، دكتور علاج طبيعى يقول من حقى أن أكشف وأكتب علاجاً مثل طبيب العظام.. اشمعنى، صيدلى يفعل نفس الشىء ويقول اشمعنى الدكتور، طبيب يبيع العينات فى عيادته ويقول اشمعنى الصيدلى، خريجة معهد عالٍ للتمريض تعالج السمنة لأنها سبوبة وتقول اشمعنى، كوافير يحقن بوتوكس وفيلر قائلاً هو الدكتور مش أحسن منى وأنا مش حلاق لو سمحت.. إلخ، الجميع حاسس إنه إلا خمسة، أمين الشرطة على قمة هذا الهرم وحنقه وغضبه وتبرمه من وضعه هو تجسيد لتلك الظاهرة الثقافية الخصوصية المصرية بامتياز، وصداها أكثر تأثيراً فى حالة الأمين لأنها تتحول إلى عنف فى الشارع وحوادث تكدر أمن وطن يعيش على حافة الانفجار ومن السهل تلويث سمعته من خلال أى حادث عنف أو حتى مشاجرة، يحلم بالنجمة والنسر، كلمة الأمين مجرد مرحلة أو محطة انتظار، هو لا يعتبرها «شغلانة» أو «عمل»، هى التقاط أنفاس حتى يعدل من وضعه، الكل ينتظر تعديل الوضع وهو إحساس سخيف لن تستطيع معه تجويد عملك والتركيز على الشغل على نفسك لأنك لا ترى إلا أنك ما زلت ناقصاً هذا الجزء من البازل الذى بوضعه فى مكانه تدخل جنة القيادة الشرطية، إنه مرض ثقافى يجتاح مصر بداية من الشغالة التى تعمل فى البيوت بمنطق اشمعنى ربنا ماخلقنيش ست البيت، وحتى أمين الشرطة الذى لا يرضى عن وضعه وينتظر يوم تعليق الرتب لأنه للأسف يحس أنه ضابط إلا خمسة.